بقلـم: الاستاذ الـدكتور عبـدالله البشيـر
رئيس هيئـة الـمديرين – الـمديــر الـعـام
وإذ يدخل الوطن اليوم مئويته الثانية، فإن ثمة حقائق تفرضها المناسبة العظيمة لتشكل منطلقاً ايجابياً وواقعياً للدخول عبر بوابة المئوية الجديدة ومعها العالم الجديد بكل استحقاقاته وسماته، بعد عصر العولمة والقرية الصغيرة وثورة المعلومات وتكنولوجيا الاتصال والتواصل وطبعاً عهد الكوفيد 19 والكورونا.
ففي هذه الايام التي نعبر فيها لمئة اخرى من عمر الممكلة ونظامها السياسي الراسخ والمنظومة الاجتماعية القائمة على مفهوم الوحدة الوطنية والعقد القائم على الاعتدال والوسطية وبناء اسس الحوار وقبول الآخر واطلاق فضاءات للديمقراطية وحقوق الانسان والارتقاء بالمواطن انطلاقا من القاعدة الهاشمية التاريخية «المواطن اغلى ما نملك».
كان للمملكة ايضاً سجلٌ حافل في الانجاز على مختلف الصعد والقطاعات فلم تقف قلة الامكانات وشح الموارد وضغوط الجوار السياسي واحتلال عام سبعة وستين وتبعات الصراع حائلا أمام مستوى رفيع من البنية التحتية للمملكة لم يسجل لدول ثرية كبرى ان تحققها، ما افسح المجال لانجازات اقتصادية واسعة النطاق في الصناعة والتجارة والنقل والطاقة والزراعة والسياسات المائية وتكنولوجيا المعلومات والاتصالات والطب وغيرها.
في الطب، حيث سجلت المملكة سجلا حافلا في مسيرة طبية راسخة اتكأت على رعاية ملكية مبكرة وكفاءات طبية اردنية نادرة وامكانات تقنية وصروح طبية اسست للمكانة الطبية الاردنية في المنطقة والعالم على مدى نصف قرن من الزمان حين اصبحت الرعاية الطبية للمواطن اولوية للدولة.
وسط هذا المشهد الوطني المفعم بالعمل والعزيمة والانجاز تنادى عدد من زملاءنا الاطباء ومن الاسماء التي كان لها دور فاعل في هذه المسيرة لتأسيس واطلاق صرح طبي أردني في قطاعه الخاص يستند إلى هذه البيئة المحفزة ويستمر في الامكانات البشرية والتقنية المتاحة ليصبح مركزاً طبياً عربياً رائداً في المنطقة يشكل قيمة مضافة لقطاع الرعاية الطبية المتكاملة في المملكة والمنطقة العربية برمتها.
قبل ربع قرن من الزمان وفي احد صباحات تشرين الثاني/ نوفمبر من عام 1996 كتب للحلم ان يتحقق وان يحمل اسم (الأردن)، فكان مستشفى الاردن نواة الصرح الاردني العربي المنشود على موعد مع نقطة الانطلاق حين شرف هذا الصرح جلالة المغفور له الملك الحسين بن طلال ليعلن (مستشفى الاردن) مركز طبياً اردنياً وعربياً، تعليميا وتحويلياً لدول المنطقة ومثلت تلك المناسبة بداية كبيرة لمشروع اثبت ضخامته على مدى السنوات القليلة التالية عبر دوره في الارتقاء بالخدمات الطبية بالمملكة، وتقديم الرعاية المتكاملة بمختلف التخصصات.
مستفيداً من الاسماء والخبرات الطبية الكبيرة التي بدأت معه والاخرى التي انضمت له لاحقا، استطاع مستشفى الاردن ان يطور منظومة للتدريب والتعليم الطبي المستمر فخَرّج على مدى عقود المئات من خريجي كليات الطب ضمن برامج الاقامة والامتياز بعد جملة اعترافات نوعية من المجلس الطبي الاردني والمجلس العربي للاختصاصات الطبية لمنح البورد الاردني والعربي فرفد السوق العربي باجيال متواصلة من الاطباء الاردنيين والعرب المؤهلين والمدربين المتواجدين اليوم في مختلف الدول العربية والاجنبية.
استفاد المستشفى من مكانته المرموقة عربيا وعالميا، فاطلق العنان لعلاقات دولية واسعة عبر اتفاقيات تعاون مع كبرى الجامعات العالمية مثل جورج واشنطن وتوليدو ونبراسكا وتيكساس ،حيث نفذ برامج التبادل الطبي الناجحة لاطباء اردنيين وامريكين على مدى سنوات.
في ربع قرن، استطاع هذا المستشفى وانطلاقا من دوره كمركز تحويلي للمنطقة العربية ان يسجل دورا كبيرا في مستويات استقبال السياحة العلاجية في مختلف الدول العربية والعالم وبمختلف التخصصات الامر الذي شكل دورا اقتصاديا رافدا للاقتصاد الاردني وعلامة تقدير عالمية مشهودة في العديد من مؤتمرات السياحة العلاجية العالمية ومحافلها كما حافظ المستشفى على ارقى مستويات الجودة عبر اعترافات محلية وعربية وعالمية وضعته في المقدمة ومنها شهادات الايزو المتعددة والاعتمادية الوطنية HCAC وشهادة الاعتمادية الدولية JCI لمرات متتالية.
منذ نوفمبر 1996 وضع المستشفى سياسة الارتقاء وفتح الآفاق بلا حدود لتطبيق مفهوم الرعاية الطبية المتكاملة ففتح المجال لتخصصات جديدة، وأطلق برامج زراعة الأعضاء، الكبد والكلى اضافة لبرامج جراحة القلب والدماغ والاعصاب والعظام المسالك البولية والتناسلية والامراض الباطنية والجهاز الهضمي والنسائية والاطفال والعيون والجهاز التنفسي، كما طور برامج الاسعاف والطوارئ انطلاقا من توجيهات جلالة الملك عبدالله الثاني، وذلك بالتعاون مع جامعة جورج واشنطن.. وهو ما أهلّه للقيام بدور مميز في التعامل مع احداث انفجارات عمّان واستقبال الجرحى والمصابين وتقديم الرعاية الطبية المتكاملة ما ترافق مع افتتاح اول مهبط طائرات في مستشفى خاص بالمملكة، ما شكل نقطة تقدير ملكي سامي عبر زيارات عديدة لجلالة الملك عبدالله الثاني بن الحسين حفظه الله ورعاه للمستشفى شكلت وساماً ملكياً على صدر كل من يعمل في هذا الصرح.
اطلق المستشفى عدة مشاريع للتوسعة للمراكز الطبية ودوائر المختبرات والاشعة ووحدات العناية الحثيثة والمركز الطبي واقساماً حيوية اخرى اضافة للمراكز الطبية المتخصصة في الغدد والسكري والترميم والتجميل والاخصاب ومعالجة العقم وامراض الرجال وعدد آخر من التخصصات.
وكتب للمستشفى وهو يدخل بيوبيله الفضي ويبلغ الخامسة والعشرين من عمره ان يتصدى بكل عزيمة وعمل لمكافحة جائحة كورونا التي اجتاحت العالم ومنها الاردن، فكان يضم جهوده للجهود الوطنية المخلصة لمكافحة الوباء فوضع امكاناته لهذه الغاية وافتتح مؤخراً مركزاً لمطاعيم ولقاحات الكورونا في حرم المستشفى الذي اثار اصداء ايجابية متعددة في مختلف الجهات.
اليوم وقد حلّت ذكرى تأسيس المستشفى بعد ربع قرن، نتوقف ذات الوقفة من التأمل والتقييم لنرى أن مئوية المملكة الاولى حملت عدة صروح ومؤسسات كبرى شكلت جوهر الانجاز الاردني في مئة عام..
مستشفى الاردن احدها نظراً لهذا الدور الطبي والاقتصادي والانساني والاجتماعي والوطني الذي يؤديه المستشفى بكافة كوادره. ننضم لاحتفالات المئوية بهذه المشهدية المبهجة لكننا نتوقف ملياً لنقيم الانجاز ونضيء على ما حققنا في المملكة ولدينا في صرحنا مستشفى الاردن لنواصل المسيرة ونبني ونعلي وننطلق مجدداً ودائماً في آفاق اكبر واسمى في العمل والنجاح لاجل وطننا الحبيب ومواطننا ورعايته ولاشقاءنا العرب الذين اعتبرونا دوماً ملاذاً طبياً متميزاً نؤكد كل يوم مكانته وبأن نبني صرحا طبياً علمياً شامخاً في مسيرة المئوية.